فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: الزينة أعمّ من أن تكون ذهبًا، أو غيره.
قال ابن زيد: هو: ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة، والأثاث.
وقال الحسن: النقوش، وأصله الزينة، يقال: زخرفت الدار أي: زينتها، وانتصاب {زخرفًا} بفعل مقدّر، أي: وجعلنا لهم مع ذلك زخرفًا، أو بنزع الخافض، أي: أبوابًا، وسررًا من فضة، ومن ذهب، فلما حذف الخافض انتصب.
ثم أخبر سبحانه أن جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا، فقال: {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا متاع الحياة الدنيا} قرأ الجمهور: (لما) بالتخفيف، وقرأ عاصم، وحمزة، وهاشم عن ابن عامر بالتشديد.
فعلى القراءة الأولى تكون إن هي المخففة من الثقيلة، وعلى القراءة الثانية هي النافية، و{لما} بمعنى إلاّ، أي: ما كل ذلك إلاّ شيء يتمتع به في الدنيا.
وقرأ أبو رجاء بكسر اللام من (لما) على أن اللام للعلة، وما موصولة، والعائد محذوف، أي: للذي هو متاع {والآخرة عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ} أي: لمن اتقى الشرك، والمعاصي، وآمن بالله وحده، وعمل بطاعته، فإنها الباقية التي لا تفنى، ونعيمها الدائم الذي لا يزول.
وقد أخرج ابن جرير، عن ابن عباس {بَلْ قالواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا} قال: على دين.
وأخرج عبد بن حميد عنه {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً باقية} قال: لا إله إلاّ الله {فِي عَقِبِهِ} قال: عقب إبراهيم ولده.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عنه أيضًا: أنه سئل عن قول الله: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} ما القريتان؟ قال: الطائف، ومكة، قيل: فمن الرجلان؟ قال: عمير بن مسعود، وخيار قريش.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضًا قال: يعني بالقريتين: مكة والطائف، والعظيم: الوليد بن المغيرة القرشي، وحبيب بن عمير الثقفي.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا في الآية قال: يعنون أشرف من محمد: الوليد بن المغيرة من أهل مكة، ومسعود بن عمرو الثقفي من أهل الطائف.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {لَّوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة} الآية يقول: لولا أن أجعل الناس كلهم كفارًا لجعلت لبيوت الكفار سقفًا من فضة، ومعارج من فضة، وهي: درج عليها يصعدون إلى الغرف، وسرر فضة، وزخرفًا: وهو الذهب.
وأخرج الترمذي وصححه، وابن ماجه، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في السبيل:
وهو الطَّريق السّهل، جمعه سُبُل وسُبْل.
يذكَّر ويؤنَّث.
قال تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}، وقال جلّ ذكره: {قُلْ هذه سَبِيلِي} أَي مَحَجّتى وسنَّتى وطريقي.
وقوله تعالى: {يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}، أَي سببًا ووُصْلة.
قال جرير:
أَفبعد مقلتكم خليلَ محمّدٍ ** ترجو القُيونُ مع الرّسول سبيَلا

أَي سببًا ووُصْلةً، أَي يا ليتني سلكت قصده ومذهبه.
وقوله تعالى: {وَابْنَ السَّبِيلِ}، قال ابن عرفة: هو الضَّيف المنقطع به، يُعطَى قدرَ ما يتبلّغ به إِلى وطنه.
وقيل: ابن السّبيل: المسافرُ البعيد عن منزلة، ونسب إِلى السّبيل لممارسته إِيّاه.
وقوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} أَي طريق واضحٍ بيّن، يعنى مدائن قومِ لوط.
وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}، كان أَهل الكتاب إِذا بايعهم المسلمون قال بعضهم لبعض: ليس للأُميين- يعني العرب- حرمة أَهل ديننا، وأَمالُهم تحِلّ لنا.
وقوله تعالى: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ}، يعنى سبيل الولد.
وقيل: تعرضون للنَّاس في الطريق لطلب الفاحشة.
قال ابن عباد: السَّبيلة: السبيلُ، والسابلة: أَبناء السّبيل المختلفون في الطُّرقات، جمع سابل، وهو سالك السّبيل.
وقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} يعني به طريق الحقّ، لأَنَّ اسم الجنس إِذا أُطْلِقَ يختصّ بما هو الحقّ، وعلى ذلك: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}.
ويستعمل السّبيل لكلّ ما يتوصّل به إِلى شيء خيرا كان أَو شرًّا.
وقوله تعالى: {مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} يعنى طريق الجنَّة قال الشاعر:
إِذا لم يُعِنْك الله فيما تريده ** فليس لمخلوقٍ إِليه سبيل

وقال:
سبيل الموت منهج كلّ حىّ ** وداعِيهِ لأَهل الأَرض داعى

وقال:
الموت لا والدا يُبقى ولا ولدًا ** هذا السّبيل إِلى ألاَّ ترى أَحدَا

وقوله تعالى: {وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أَي في طاعته، ومثله {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} أَي زادًا وراحلة.
وقوله: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} أَي مخرجًا إِلى فضاءِ الأُنْس من حبس الوحشة.
وقوله تعالى: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا}، {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} أَي مَمرّه.
وقوله تعالى: {فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} أَي عُذْرًا وعِلَّة.
وقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} أَي دينهم وملَّتهم، ومثله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} وقوله: {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} أَي طريق هداية.
وقوله: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} أَي حجّة.
وقوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} أَي عن طريق الحقّ.
وقوله: {فَأُوْلَائِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} أَي ملامة.
وقوله: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} أَي المخرج من رحم الأُمّ حال الولادة.
وقوله: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ}، {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} أَي إِثم ومعصية.
وأَسْبَلَ السِتْرَ: أَرخاه، والمطرُ: نزل. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال السبكي:
قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ}.
قرئ شَاذًّا (وَمَنْ يَعْشُو) بِالْوَاوِ وَجَعَلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ مَوْصُولَةً وَإِنْ كَانَتْ تُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً وَثَبَتَتْ الْوَاوُ كَمَا ثَبَتَتْ فِي (مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرُ).
ثُمَّ قال وَحَقُّ هَذَا الْقَارِئِ أَنْ يَرْفَعَ (نُقَيِّضْ) وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ بِأَنْ يَكُونَ جَزْمُ الْجَوَابِ يُشَبِّهُ الْمَوْصُولَ بِاسْمِ الشَّرْطِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَسْمُوعًا فِي (الَّذِي) وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ اسْمُ شَرْطٍ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِيمَا اُسْتُعْمِلَ مَوْصُولًا.
وَشَرْطًا قال الشَّاعِرُ وَلَا تَحْفِرَنْ بِئْرًا تُرِيدُ أَخًا بِهَا فَإِنَّك فِيهَا أَنْتَ مِنْ دُونِهِ تَقَعْ كَذَاك الَّذِي يَبْغِي عَلَى النَّاسِ ظَالِمًا تُصِبْهُ عَلَى رَغْمٍ عَوَاقِبُ مَا صَنَعْ أَنْشَدَهُمَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَلَهُ وَجْهٌ مِنْ الْقِيَاسِ.
لِأَنَّهُ كَمَا يُشَبِّهُ الْمَوْصُولَ بِاسْمِ الشَّرْطِ فَدَخَلَتْ الْفَاءُ فِي خَبَرِهِ فَكَذَلِكَ يُشَبِّهُ بِهِ فَيَنْجَزِمُ الْخَبَرُ، إلَّا أَنَّ دُخُولَ الْفَاءِ يَنْقَاسُ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ النَّحْوِ وَهَذَا لَا يَنْفِيهِ الْبَصْرِيُّونَ.
انْتَهَى مَا قالهُ أَبُو حَيَّانَ.
فَأَمَّا مَا قالهُ مِنْ الْقِيَاسِ فِي جَزْمِ الْجَوَابِ عَلَى دُخُولِ الْفَاءِ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا الْقِيَاسُ (مِنْ) عَلَى (الَّذِي) فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ (الَّذِي) اُسْتُعْمِلَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، فَلَا بُعْدَ فِي دُخُولِ الْفَاءِ فِي خَبَرِهَا، وَفِي جَزْمِ جَوَابِهَا نَظَرٌ إلَى مَعْنَاهَا، لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَأَمَّا (مِنْ) إذَا خَرَجَتْ عَنْ الشَّرْطِيَّةِ وَاسْتُعْمِلَتْ مَوْصُولَةً لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَكَيْفَ يُجْزَمُ الْجَوَابُ.
فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُجْزَمُ بِهَا أَصْلًا، لِأَنَّ الْجَزْمَ إمَّا بِالْمَعْنَى وَإِمَّا بِاللَّفْظِ لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالْحَالَةَ هَذِهِ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطُ، وَلَا بِاللَّفْظِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْمَوْصُولِ فَقَدْ يُرِيدُ الثَّانِي، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي الْمَعْنَى فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقال إنَّهُ أَوْلَى انْتَهَى. اهـ.

.تفسير الآيات (40- 45):

قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان صلى الله عليه وسلم شديد الإرادة لإقبالهم يكاد يقتل نفسه أسفًا إدبارهم، وكان هذا الزجر الذي لا يسمعه من له أدنى عقل إلا خلع قلبه فرجع عن غيه وراجع رشده قد تلا عليهم فلم ينتفعوا به، فكان كأنه قيل: إن هؤلاء لصم عمي محيط بهم الضلال إحاطة لا يكادون ينفكون عنه من كل جانب، فلا وصول لأحد إلى إسماعهم ولا تبصيرهم ولا هدايتهم، قال بانيًا عليه مسببًا عنه تخفيفًا على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقاسي من الكرب في المبالغة في إبلاغهم حرصًا على إقبالهم والغم من إعراضهم بهمزة الإنكار الدالة على نفي ما سيقت له: {أفأنت} أي وحدك من غير إرادة الله تعالى: {تسمع الصم} وقد أصممناهم بما صببنا في مسامع أفهامهم من رصاص الشقاء {أو تهدي العمي} الذين أعميناهم بما غشينا به أبصار بصائرهم من أغشية البلادة والخسارة، فصار ما اختارون لأنفهسم من العشى عميًا مقرونًا بصممهم {ومن كان} أي جبلة وطبعًا {في ضلال مبين} أي بين في نفسه أن ضال وأنه محيط بالضلال مظهر لكل أحد ذلك، فهو بحيث لا يخفى على أحد، فالمعنى: ليس شيء من ذلك إليك، بل هو إلى الله القادر على كل شيء، وأما أنت فليس عليك إلا البلاغ.
ولما كان هذا كالمؤيس منهم، وكان اليأس من صلاح الخصم موجبًا لتمني الراحة منه بموت أحدهما، سبب عن التقديرين قوله مبينًا أن الإملاء لهم ليس لعجز عنهم ولا لإخلاف في الوعد، مؤكدًا بالنون و(ما) ثم (أنا) والاسمية لمن يظن خلاف ذلك، ولأنه صلى الله عليه وسلم مشرف عنده سبحانه وتعالى معظم لديه فذهابه به مما يستبعد، ومن حقه أن ينكر، وكذا إراءته ما توعدهم به لأن المظنون إكرامهم لأجله: {فإما نذهبن بك} أي من بين أظهرهم بموت أو غيره {فإنا منهم} أي الذين تقدم التعريض بأنهم صم عمي ضلال لأنهم لن تنفعهم مشاعرهم {منتقمون} أي بعد فراقك لأن وجودك بين أظهرهم هو سبب تأخير العذاب عنهم {أو نرينك} وأنت بينهم {الذي وعدناهم} أي من العذاب وعبر فيه بالوعد ليدل على الخير بلفظه وعلى الشر بأسلوبه فيعم {فإنا} بما تعلم من عظمتنا التي أنت أعلم الخلق بهم {عليهم مقتدرون} على كلا التقديرين، وأكد بـ: (إن) لأن أفعالهم أفعال من ينكر قدرته، وكذا بالإتيان بنون العظمة وصيغة الافتعال، وأحد هذين التقديرين سبق العلم الأزلي بأنه لا يكون، فالآية من أدلة القدرة على المحال لغيره وهي كثيرة جدًا، وقد أكرم الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم عن أن يريه شيئًا يكرهه في أمته حتى قبض.
ولما أوقف سبحانه السامع بهاتين الشرطيتين بين الخوف والرجاء لبيان الاستبداد بعلم الغيب تغليبًا للخوف، وأفهم السياق وإن كان شرطًا أن الانتقام منهم أمر لابد منه، وأنه لا قدرة لأحد على ضرهم ولا نفعهم إلا الله، سبب عنه قوله: {فاستمسك} أي أطلب وأوجد بجد عظيم على كل حال الإمساك {بالذي أوحي إليك} من حين نبوتك وإلى الآن في الانتقام منهم وفي غيره.
ولما كان المقام لكثرة المخالف محتاجًا إلى تأكيد يطيب خواطر الأتباع ويحملهم على حسن الاتباع، علل ذلك بقوله: {إنك على صراط} أي طريق واسع واضح جدًا: {مستقيم} موصل إلى المقصود لا يصح أصلًا أن يلحقه شيء من عوج، فإذا فعلت ذلك لم يضرك شيء من نقمتهم.
ولما أثبت حسنه في نفسه المتقضي للزومه، عطف عليه نفعه لهم.
وأكد لإنكارهم فقال: {وإنه} أي الذي أوحى إليك في الدنيا {لذكر} أي شرف عظيم جدًا وموعظة وبيان، عبر عن الشرف بالذكر للتنبيه على أن سببه الإقبال على الذكر وعلى ما بينه وشرعه والاستمساك به والاعتناء بشأنه: {لك ولقومك} قريش خصوصًا والعرب عمومًا وسائر من اتبعك ولو كان من غيرهم من جهة نزوله على واحد منهم وبلسانهم، فكان سائر الناس تبعًا لهم ومن جهة إيراثه الطريقة الحسنى والعلوم الزاكية الواسعة وتأثيره الظهور على جميع الطوائف والإمامة لقريش بالخصوص كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان ما أقاموا الدين» فمن أقام هذا الدين كان شريفًا مذكورًا في ملكوت السماوات والأرض، قال ابن الجوزي: وقد روى الضحاك عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل: لمن هذا الأمر، من بعدك، لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا سئل قال: لقريش- وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من هذا أنه يلي على المسلمين بحكم النبوة وشرف القرآن، وأن قومه يخلفونه من بعده في الولاية بشرف القرآن الذي أنزل على رجل منهم- انتهى.
ولما كان التقدير: فسوف تشرفون على سائر الملوك وتعلمون، عطف عليه قوله: {وسوف تسألون} أي تصيرون في سائر أنواع العلم محط رحال السائلين دنيًا ودنيا بحيث يسألكم جميع أهل الأرض من أهل الكتاب ومن غيرهم عما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم لما يعتقدون من أنه لا يوازيكم أحد في العلم بعد أن كنتم عندهم أحقر الأمم ضعفًا وجهلًا كما وقع لبني إسرائيل حيث رفعهم الله، وكان ذلك أبعد الأشياء عند فرعون وآله، ولذلك كانوا يتضاحكون استهزاء بتلك الآيات وينسبون الآتي بها إلى ما لا يليق بمنصبه العالي من المحالات، وتسألون عن حقه وأداء شكره وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له، وهذا بوعد صادق لا خلف فيه أصلًا.
ولما أبطل سبحانه إلهية غيره التي أدى إليها الجهل، واستمر إلى أن ختم بالعلم الموجب لمعرفة الحق، فكان التقدير إبطالًا لشبهتهم الوهمية القائلة {لو شاء الرحمن ما عبدناهم}: فاستحضر جميع ما أوحى إليك وتأمله غاية التأمل، هل ترى فيه خفاء في الإلهية لشيء دون الله، عطف عليه قوله نفيًا لدليل سمعي كما أشير إليه بقوله: {أم آتيناهم كتابًا} {واسأل من أرسلنا} أي على ما لنا من العظمة.
ولما كان الممكن تعرفه من آثار الرسل إنما هو لموسى وعيسى ومن بينهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام الحافظ لسنتهم من التوراة والإنجيل والزبور وسفر الأنبياء، قال مثبتًا للجار المفهم لبعض الزمان: {من قبلك}.